Page 88 - web
P. 88
موضوع العدد مقالات وآراء
التط ّرف آفة ..الوعي والثقافة عبد الغني بن ناجي القش
لا أود الإسـهاب في تعريـف التطـرف ،فهـو لفـظ وتعبري يسـتعمل لوصـف أفـكار أو إعلامي وكاتب صحفي
أعمـال ينظـر إليهـا مـن قبـل مطلقـي هـذا التعبري بأنهـا غري مب ّررة لجنوحـه وبعـده عـن عضو الجمعية السعودية لك ّتاب الرأي
الوسـطية ،ولربمـا ذهـب بعيـ ًدا نحـو اللامنطقـي وغري المقبـول وليـس مـن المعقـول،
88
مـن ناحيـة الأفـكار.
ويسـتعمل هـذا المصطلـح لوصـم الأعمـال والأقـوال ،التـي تعبر عـن المنهجيـات العنيفـة
المستخدمة في محاولات التغيير ،سواء أكانت سياسية أو اجتماعية .وقد يعني استعمال
وسـائل غري مقبولـة مـن المجتمـع مثـل التخريـب أو العنـف للترويـج لأعمـال معينـة.
ويعـد التطـرف مـن أخطـر الظواهـر التـي تهـدد أمـن الأفـراد والمجتمعـات ،والواقـع أن
تطـرف بعـض الأفـراد في آرائهـم وأفكارهـم واتجاهاتهـم نحـو بعـض القضايـا الدينيـة
والسياسـية والاجتماعيـة ظاهـرة لهـا مسـاس أمنـي خطري في المجتمعـات الدوليـة
مـن قديـم الزمـن ،غري أنهـا أخـذت بعـ ًدا جديـ ًدا في المجتمعـات الحديثـة عندمـا أنتـج
التطـرف ظواهـر غريبـة مثـل العنـف ،والإرهـاب ،والعـدوان على الأفـراد والممتلـكات،
وخلق فوضى عارمة وحالة من العنف والتخريب فيما يخص أمن الشعوب وأمانها.
ولا شـك أن فئـة الشـباب مـن أكثر الفئـات عرضـة لهـذا المـرض الاجتماعـي ،والخلـل
الفكـري الخطري؛ لكونهـم يشـكلون مرحلـة عمريـة تتميـز بالحيويـة والنشـاط
والرغبـة بالتجديـد والتغيري مـا يؤهلهـم ليكونـوا أكثر الفئـات الناقـدة والانفعاليـة
لكثـرة المتناقضـات الحياتيـة التـي يواجهونهـا ،لا سـيما وأن المجتمـع المعاصـر تجتاحـه
تيـارات مختلفـة ومتباينـة ومتعارضـة ،ويزخـر بتحـولات وتحديـات كبرية اقتصاديـة
واجتماعيـة كبرية ،جعلـت البعـض يعـاني أزمـات متلاحقـة تنتهـي غال ًبـا بالتطـرف
ويعـد الإرهـاب المنتـج الأبـرز مـن منتجـات التطـرف ،ومـا نشـاهده مـن أحـداث إرهابيـة،
هـزت الضمري العالمـي .وكل إنسـان سـوي يستشـعر نعمـة الأمـن والاسـتقرار ،يـدرك
سـري ًعا بشـاعة التطـرف والإرهـاب ،وتنامـي مسـتويات العنـف ،فكثري مـن الأرواح
أزهقـت ،وكثري مـن الممتلـكات دمـرت ،نتيجـة لعبـث المتطرفين ،وجنوحهـم مـع بالـغ
الأسـف؛ للشـطط المؤلـم والبعـد التـام عـن العقـل وإطـاره الإنسـاني.
فالتطـرف أسا ًسـا تنميـة لمعتقـدات وعواطـف وسـلوكيات غري سـليمة ،وقناعـات
عميقـة تتعـارض مـع القيـم الأساسـية للإنسـانية ،تدعـو إلى سـيادة مجموعـة
معينـة (عرقيـة ،دينيـة ،سياسـية ،اقتصاديـة ،اجتماعية...إلـخ) ،وبالتـالي فـإن
التطـرف تعبري عـن مشـاعر وسـلوكيات مخالفـة للقيـم ،وأفعـال تخـرج عـن
القاعـدة ،وتظهـر ازدراء وحن ًقـا ضـد الحيـاة عامـة ولحقـوق الإنسـان بشـكل خـاص.
والتطرف حقيقة ينطلق من نظرة تنزيهية للذات ،معاكسة سوداوية عدائية للآخر
أ ًيـا كان ،وهـذا التشـكيل النفسي هـو مـا يحكـم نظـرة المتطـرف للمواقـف والمتغريات
المحيطـة بـه.